االبتول :
في غرفة صغيرة في أعلى البيت المقدّس عاشت مريم منقطعة عن العالم . .
لا أحد يستطيع الدخول اليها أو دخول غرفتها سوى زكريا .
كبرت مريم في عزلتها ، مثل قطرة الندى طاهرة ، مثل شمس وراء الغيوم ، مثل قمر منير .
نمت مريم مثل زهرة ندية . . مثل وردة بنفسج ، يملأ عطرها الفضاء دون أن يراها أحد .
كانت مريم تمضي وقتها في المحراب تصلّي لله بخشوع و في كل يوم كانت الحقائق تسطع في روحها ، و الملائكة تطوف حولها تبشرها بان الله قد اصطفاها و طهرها من الرجس ، انها لؤلؤة في صدفة ، لا يعلم سرّها إلاّ الله سبحانه .
رَطَبٌ في الشتاء !
في يوم شتائي قارس البرد ارتقى زكريا السلّم الطويل ، ليذهب الى غرفة مريم ، يحمل اليها طعاماً ، كسرة خبز و قليلاً من اللبن .
سمع زكريا صوتاً مثل خرير الجداول لم يكن سوى مريم تناجي ربّها الذي اجتباها فطهرها .
دخل زكريا الغرفة بهدوء ، فرأى شيئاً عجيباً . . رأى إناءً مليئاً بالرطب ، كانت نكهة الرطّب تملأ فضاء الغرفة .
تعجب زكريا و قال :
ـ من أين لك هذا ؟!
قالت مريم و وجهها الملائكي يشرق بخشوع :
ـ هو من عند الله ان الله يرزق بغير حساب .
امتلأت نفس زكريا بالايمان و قال في نفسه :
ـ فاكهة الصيف يرزقها الله المؤمن في قلب الشتاء !!
و تمرّ الايام و يأتي فصل الصيف ، و زكريا يتفقد مريم البتول فرآها تسجد لله في محرابها و رأى إناءً مليئاً بالبرتقال امتلأت نفسه احتراماً لهذه الفتاة التي بلغت منزلة جليلة عند الله .
الله سبحانه أكرم مريم ، يرزقها بغير حساب ، تجد رزقها في غرفتها ، لأنها انقطعت اليه ، حتى لو ماتت من الجوع فأنها لن تغادر غرفتها وفاءً لنذر امّها المرأة الصالحة .